جميل منصور.. ومذابح شعب "أزواد"/ المختار السالم
وللإشارة فولد عبد العزيز اعتبر في مقابلته مع صحيفة "لموند" الفرنسية "أن الشمال المالي منطقة متروكة لشأنها فعليا، وهي مفتوحة للإرهاب"، بل ذهب أبعد من ذلك حين ربط بين إحدى حركة التمرد (أنصار السنة) وبين القاعدة، مقدما أكبر هدية لدعاية النظام المالي. بينما كان وزير الخارجية حمادي ولد حمادي قد أبدى تفهمه لمطالب الطوارق فيما يتعلق بالهوية واختلافهم عن القاعدة.
لن أتحدث عن مصالح موريتانيا، ومخاطر تقديم شهادات إثبات من الداخل، فقد أدمنت النخبة الموريتانية هذه الورقة في تصفية حساباتها مع "أنظمة الكرسي".
مصدر الصدمة أن النائب ولد منصور بدا حريصا على المصالح المالية أكثر من مصالح سكان "أزواد"، وبدا منسجما مع الموقف الرسمي للنظام المالي دعاية وتسويقا، دون أن يعير المأساة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الأزوادي أي اعتبار.. فتحدث عن مصالح مالي ولم يذكر بشطر كلمة معاناة آلاف النازحين العرب والطوارق الفارين من الحرب والذين وصل عددهم في موريتانيا وحدها أكثر من 16 ألف لاجئ، لم يذكر شطر كلمة عن المذابح التي يقوم بها الجيش المالي ضد العرب والطوارق المدنيين، لم يوجه دعوة لمآزرة الأرامل والثكالى واليتامى والمشردين الأزواديين الذين يتدفقون على الحدود النيجيرية والجزائرية والموريتانية وقلبهم كحالهم أفرغ من قلب أم موسى..
اختزل مأساة الإقليم الذي يضم ثلاثة ملايين من العرب والطوارق (عدد سكان موريتانيا) منذ ستة عقود وسكانه يتعرضون لأبشع أنواع المذابح والمجازر والإقصاء والتهميش.. اختزل كل ذلك في أخطاء الجنرال عزيز..
لقد كان المشردون الذين فقدوا أغلب أفراد عائلتهم ذبحا على يد الجيش العنصري المالي، وسلبت ممتلكاتهم، ينتظرون منك كلمة إنصاف، كلمة تعاطف.. إن لم يكن عملا إنسانيا ميدانيا من حزب "تواصل" المشهود له بورع المنهج والضمير والكف..
لو كانت من غيرك يا أستاذي جميل منصور، وأنت نصير الحريات والحق والشاب السياسي النموذجي والرجل الداهية، والمفكر النظيف منهجا وأخلاقا.
لو كانت من غيرك لأنصفته..
يألمني أن يتصل بي وجيه اجتماعي عربي من مالي ويقول لي عبر الهاتف، وأكاد أشعر بالدموع تخنقه، إن إسلاميي موريتانيا يبرئون النظام المالي الذي يسبح في بحر من دمنا.. لقد اغتصبوا نساءنا.. اعتقلوا النشطاء الحقوقيين وقتلوا شبابنا.. ولا نعرف شيئا عن المخطوفين.. إلخ".
أستاذي، هذه هي الحرب السادسة في "أزواد" خلال ستة عقود.. هي التمرد أو الانتفاضة.. سمها ما شئت.. شاهد منطقة "أزواد" وقارن.. تجويع وتجهيل وحرمان السكان على هويتهم.. ثم أخيرا إهداء الإقليم لتنظيم القاعدة لتكون شماعة أخرى تبرر لنظام باماكو عنصريته.
أستاذي إن نظام باماكو يستعين بطيارين مرتزقة من أوكرانيا، وخبراء فرنسيين وسنغاليين ونيجريين.. لذبح الشعب الأزوادي.
أستاذي، ماذا تقول لأستاذ الرياضيات المقعد، الذي أمضى 27 عاما يشرف على تكوين النخبة العلمية في الجامعات المالية، ثم يرحله الجيش المالي على كرسيه المقعد وهو الآن في مقاطعة "دار النعيم" بنواكشوط بلا مأوى.. وقد منح منزله في باماكو لزنجي مالي.
ماذا تقول للمرأة الحامل التي تصرخ في مخيم "فصالة" بعد أن وصلته وقد قتل الجيش المالي ثلاثة من أبنائها واغتصب ابنتها ذات الأحد عشر ربيعا..!
وماذا تقول بعد تنكر الحكومة المالية لكل اتفاقيات السلام مع الحركات الأزوادية..
إنه شعب عربي طارقي مسلم يذبح بالطائرات والمرتزقة والمليشيات لأنه طالب بالتنمية والحرية.. ولا أعتقد أننا في زمن "الربيع العربي" يجب أن نسكت على المذابح.
أستاذي، إن شعب "أزواد" يذبح بذنب هويته.. سيتمرد وسيقاتل وسينتصر يوما ما..
إنه شأن داخلي.. فلندعه على الأقل شأنا داخليا.. حتى ولو كانت "لا توجد دماء شخصية عندما يتعلق الأمر بالمجازر".
وأخيرا، كم في دبابة الجنرال ولد عبد العزيز من ثقوب يمكن التصويب عليها.. دون أن نظلم شعب "أزواد".. في وقت يتصدره المشردون والمهجرون والمقتولون.